٢٠٠٨-٠٩-٢٩

السلام مع الأخر


تبدأ القصة في فصول الكلية حين يُصر استاذنا -أدام الله عليه الصحة وطول العمر- أن نقضي ساعتين يوميا طوال برنامجنا العملي الممتد أربعة أيام أسبوعيا طوال العام الدراسي في نقاش في كل شئ وعن كل شئ
نبدأ بمشروع الدرس وننتهي بالأدب ... أو النقد ... أو التاريخ .... ثقافة وتجارب الأخرين
لم يكن بيننا طالب بلا رأي أو شخصية... تعلمنا كلمة أسمها الهوية لم نسمع عنها من قبل
اضطررنا -لمواجهة هذا الوضع الذي فرض علينا- إلي ممارسة القراءة فقط لتلافي الحرج أمام معلمنا ... فنحن بصراحة في كلية الفنون جئنا من بيوتنا لنلون ونلعب بالطين

أتذكر أول سؤال أجيب عليه خارج الدرس "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا" صدق الله العظيم .... ما هي الأمانة؟ وأتذكر أني أول من رد بلا تفكير .... العقل
وساد صمت فأحمر وجهي ووددت لو أختفي من القاعة ... كانت إجابة صحيحة ولكنه أراد أن يسمح بصمتة لأخرين أن يضيفوا أي شئ ... كان ذلك من سنين طويلة... ولكنه منهج أختاره بذكاء خلق به مجموعة من أفضل الأفراد الذين أتشرف اليوم بكونهم زملائي

استعدت اليوم هذه الذكري لأن صديق عزيز يشكو من تسرع بعض الشباب بالرد في غير محله بل والمجادلة بغير حجة أو فهم حقيقي للأمور ...
قطعا الموقف يؤذي ويحبط ويفقد الأمل في تعاملات راقية مع الناس خاصة إن تكرر
هذا الأمر دعاني للتفكير في علاقة الفرد بالأخر ... وعن مقدار السلام الذي يبثة المرء في حواره مع الأخر
تساؤلات كثيرة عن معني الحوار وصلت بي في النهاية إلي أن الحوار القيم بين الناس اقترب من التلاشي
حيث يستبيح بعضنا إهدار طاقات الأخر بجهالة بدلا من استثمار الوقت والجهد في صقل النفس وإكتساب الثقة بها
كما يبذل البعض جهدا لاستفزاز مشاعر الأخر السلبية أو لإخراج شخص عن شعوره ... وبلا فائدة
ثم أسأل لماذا يصر بعضنا آن يقف عند موقف بعينه ويصر علي إنه مقياس لإثبات الذات؟
هل الناس تفتقد سلامها مع بعضها لأنها تفتقد سلامها النفسي أولا؟
وفي المقابل لماذا نسمح للبعض باستهلاك سلامنا النفسي وهو ما نبذل الكثير للحصول عليه؟

الجهل
الكِبر
العناد
الغرور
كلها أشياء تصور للبعض أنه من حقه استباحة الأخرين
مع أن كلنا قابلين للنقد وكلنا قابلين للتعلم بل والإصلاح أيضاً.. فقط حين نريد
الأمر ليس دينيا إنما سلوك وأخلاقيات مازالت موجوده لدي البعض ولكنها لم تعد ترسخ مثلما كانت بالأمس
تعلمت من طفولتي فضل الكبير ولذلك أري جرما في فكرة عدم احترام الأخر .. ورغم ذلك أصر علي أن يناديني أطفال العائلة والأصدقاء باسمي مجرد بلا ألقاب حيث أنه لا ضير أن نتعامل بندية في بعض الأوقات فيرتفعون إلي مكاني بسلم من الاحترام
علي جانب أخر لا أجد عيبا في أن أواجه المواقف بمنتهى القوة والعنف طالما بالمنطق والحجة ... والمجرب أن الموقف عادة ما ينتهي بسلام لا قطيعة ولا دماء سائلة علي وجه الطرفين
فعلي الشخص أن يعامل الناس تماما كما يحب أن يعاملوه... حكمة من زمن أكثر هدوءا وتطبيقها أصبح صعبا ولكنها لزاما علينا اليوم حتي نستطيع الاحتفاظ بالحد الأدني من الأخلاق
بعض الإنصات بدلا من الكلام ...
التأمل من وقت لآخر فيما جري وما يجري
إكتشاف الاجابات الصحيحه لأسئلتنا بجهد أنفسنا بدلا من الحصول عليها من الغير
أري قيمة الشخص تزيد حين يتعامل مع الناس بقدره الحقيقي فيكتسب احتراما علي ما فيه من قوة ويكتسب تعاطفا ومساندة علي ما به من نقص.
هكذا يأتي السلام الداخلي... من معرفة الإنسان لحجمه الحقيقي ... محايدا بلا غرور ... أو إحساس بالدونية
فلعل بعضا من السلام الداخلي يساعدنا علي التعامل بسلام مع الأخر .

في فترة من الفترات رفعت منظمة اليونيسكو وهي الجزء المختص بالتعليم والعلوم والثقافة التابع للأمم المتحدة شعار " السلام بين أيدينا" ... ربما يكون شعارا دوليا تقوم علي تنفيذه مؤسسات وحكومات ولكنه شعار يحتاج إلي ممارسة يومية علي مستوي الأفراد.

إلي صديقي ومن هم في مكانه... لا تحزن ممن يسيئون فهم في العاده يجهلون القيم الانسانية .. لا يعرفون أنفسهم فكيف يعرفون الأخرين.
....

هناك تعليقان (٢):

الازهرى يقول...

يسعدنى ان اكون اول تعليق

لن يكون هناك سلام مع الاخر بدون سلام مع النفس اولا وهو ما نفتقده هذه الايام
اما عن تحدث الناس فى ما لا يعلمون فهى ظاهرة تستحق الدراسة من حيث انتشارها الزائد عن الحد فى هذه الاونة

تحياتى

speaking يقول...

الأزهري
مرحبا بك
ليس وحده الكلام بما ليس نعلم ... ولكن الكبر الذي يصور لنا أننا نعلم
والتكبر الذي يمنعنا بالاعتراف بحجمنا الحقيقي في هذا العالم

كل عام وأنت بخير