٢٠٠٨-٠٩-١٧

القلق السرى – من عذابات شهرذاد


القلق السرى - فوزية رشيد (البحرين) إصدار دار الهلال 2000

قرية وعشيرة وجبال وأشجار ونهر ونسمات من شاطئ البحر .... رجال ونساء شباب وعجائز .. شعائر وطقوس وتقاليد..

رواية نسائية المضمون من مجتمع لا يكاد يري أن للنساء صفه غير متعة الرجل, المرأة أرض وجدت لتحرث، وليس للعقل مكان إلا مع الحكيم.

نصوص عن تفاصيل وهواجس وتساؤلات المرأة من وجهة نظر المرأة، محاولة للدفاع عن بعض وجودها أمام المجتمع.هي نظرة في عالم الأرواح تخترق قناع الوجوة لتشرح ما لا نتوقعة من قلق داخل القلوب.

في البداية تمهد الكاتبة بفصول عن الأشخاص الأساسيين في حياة شهرزاد وبعض مما أثر في تكوينها فقط ليعتاد القارئ علي ألفاظها البليغة ولغتها المنمقة .. الصفحة الواحدة تحتاج لجهد في القراءة حيث يسيطر الخيال علي كل كلمة ويدخل بالقارئ إلي عالم أشبه بالأساطير.

بتقنية السارد تحكي الرواية شهرزاد الفتاه وهي أقرب لروح هائمة فوق رؤوس البشر تحاول أن تفهم أين هي ولأين هي.. ولن يعرف القارئ أبدا في أي مرحلة هي روح أم بشر تلك التي تتكلم .. هي تدرك صعوبة اكتشاف الاجابات فتأكلها الوحدة في الأوقات بين السرد والأخر.

تعلم إن ما يحكمها الريف والتقاليد .. حيث النواميس وضعت للنساء فقط
وجدها يعلمها أن تكون الأفضل لذلك فإن عذابها من المعرفة يؤلمه أحيانا

من البداية تسأل شهرزاد " هل الوجود يحمل معني لكم ومعنى أخر لنا, وهل التضاد يعني تضادا مفتعلا في قيمة كل منا؟ لماذا سادة وعبيد حتي بين متضادين من المفترض أن الطبيعة أوجدتهما هكذا ليتكاملا, لا ليسودأحدهما الأخر؟"

هذه الفتاة الموعودة بالحكمة منذ الصبا تعري كل من حولها الأب والأم والخالة والجد وشخوص سحرية وحقيقية كثيرة ونفسها قبلهم ... تري المواقف عاريه وواضحة بدون أي مسميات هي تبحث عن اجابتها الخاصة بطرقها الخاصة حول موضوع الحرية
لنا أن نري أنفسنا في أي حاله من شخوصها ونقترح المسمي الذي نريد

الأم والخالة هما تسترجعان حينما كانتا فتاه عاشت الصبا وأحبت ولم تنعم بمن تحب فترضي بقدرها وتتعايش مع ما قسمت لها به الدنيا, هما كل أم عربية بسيطة ليس لديها الوقت أو الطاقة للتفكير والتغيير ولن تتنازل عن الاعراف مهما كلفها ذلك من طاقة ووقت.. وكل خالة يموت زوجها وتتزوج غيره لتنعم ببعض الأمان في هذا العالم ولكن قدرها دائما غير ما تتمنى.

الأب يخرج بنفسه كل يوم في المساء إلي تلك الصفية التي تعيد إلية قوة الشباب ويقتل بين يديها كل يوم ليولد من جديد تعرف أنها تساوى أكثر من حضن ألف إمرأة معا – تقول له فى قوه: هنا شراب الألهة .. لن تجده إلا في فمى - ولكن لوجوده معها شرط أن لا تطمع في أن تكون زوجة هي المعشوقة للمتعة واللذة فقط والأخرى للولد.
تحاصره مرات بصراعات الأنثى " أنت يا شيخ مسعود لا تحبني إنما تحب الجسدالزائل .. إن كنت تحبنى تزوجنى واربطني بالأبناء" ومرات باللعب علي مأزق فحولته التى أقتربت من المغادرة "شبقك انتقل إلي أيها الشرير ... بت لاأعرف النوم دونك"
هذا الأب نفسه بحياته السرية لن يقبل أشياءأ أقل من ذلك بكثير فيما بعد.

الجد ... الشخص المحورى في حياة هذه الفتاة هو من علم عقلها قيمة وسحرالتفكير.. الوحيد الذي يسمعها في عالمها ويجيب تساؤلاتها .. لا أحد يعلم هل هو ساحر أم من أولياء الله أم ملك حارس ولا أحد يعرف تاريخة البشري بالكامل له تفاصيله الخاصة ونظرتة الثاقبة
يري الجد أن المرأة عاقلة بشكل أشمل .. عقلها في الحدس الرهيب والجامع الذي تملكه ... هذا الحدس الذى يشمل العقل والقلب معا .. المرئى واللامرئي.. ويخيف الرجل.

تقول عنه هاجر إحدي نساء الرحلة "الشيخ مبروك يستمد قوانينه من البصيرة... من تلك الوشائج الخاصة بكل ما حوله" وتقول "أنه لم يفتعل قط معي رجولته لأنه يدرك أن الرجولة الحقيقية تكمن في رقته وعذوبة مشاعره تجاه من يحب ... إنه نقيض ما أراه من رجوليات زائفة"

مع رحيل الجد تذبل شهرزاد وتترهل معالم وجهها ويسكن قلبها الفراغ, ولا تربطها بالحياة سوى بضعة أحلام وذكريات.

يحين وقت الفرار مما آلت إليه وتخرج شهرزاد من بيت الأهل تقطع المسافات بغرض البحث عن الجد الذي اختفي وهي تؤمن كل الايمان أنه مازال موجودا في مكان ما لم يمت كما يقولون... وهنا تبدأ مرحلة السحر في الرواية.

تستحضر في تجوالها شخصيات متعددة من رجال ونساء تخوض معهم حوارات تقدم فيها رؤيتها المتأملة لتصرفاتهم وردود أفعالهم .

تقطع الطريق عبر غابات وحقول ونهر لتجد نفسها في بيتها مع رجل يؤكد في كل وقت أنه زوجها وتري نفسها في حياة أخري لا تعلم كيف وصلت إليها.. تحارب هذا الوجود الجديد لها محاولة أخراج الأخري من مسلمة أن البيت والفراش بمتعته هما الأصل في الوجود فتقول لذاتها الأخري: "ألا ترين أنه يسحقك في ركن ضئيل بعد أن جعلك تتركين كل شئ خلفك .. أصبحت لا ترين في الحياة إلا سواه ولا مهنة لديك سوى انتظاره" ثم تترك ذاتها وترحل لتكمل الرحله.

تقابل حالات من الصخب وحالات من السكون .. نساء ورجال يرقصون بكل طاقاتهم.

يخرج لها نموذج الرجل بين الحين والأخر خلال رحلتها يحاورها ليجتذبها مره وبالغواية مره وليرشدها مره ... ولا تعرف له كينونة فهو شئ غريب وتتسأل هل هو كائن لبس جسدا أدميا ليراها .. أو هو بشر ممن يتمتعون بطاقات خارقة.

الغجر بحكايتهم العميقة يتعاملون مع كل اصوات الطبيعة الطير والشجر والريح كل له طقوس وكلمات... معهم طقوس الغواية والزواج متشابهين تمتد لساعات وسط دوائر من النار.

أشخاص يعيشون في انفلات مطلق ... لا يعرفون معنى التحريم كما تعرفه, الخير والشر ينبعان من احتياجاتهم واحتياجات المكان الذين يعيشون فيه... هم أحرار كرياح البراري.

قبيلة نساءها أكثر حرية وهيمنه ..ومملكة أعطت للمرأه حريتها كامله في العشق والاختيار. يتبعون حكمة القدماء "نحن ننصت هنا لصوت القلب .. متي تنبض الأرض بوجيبها وترتجف ارتجافتها المشرقة التي تدلنا كيف نقاوم الأمراض والشرور.. بوابات الحكمة الخفبة لا تنفتح هكذا ..إنها تعاليم الأجداد التي تنبض فينا ونتبعها لنصل مثلهم إلا حكمتنا.. هي ذات التعاليم التى عاشت فينا آلاف السنين وأثبتت جدواها لنا"

تصاحبها في مرحلة من الرحله عجوز تري معها نماذج من البشر... تري الرجل الذى يمر علي بيت إمرأة فيكتشف فروقا جسدية بينه وبينها فيختبر تلك الفروق دون أن يدري.

تري عن بعد المرأة التي ترتدي الملابس الزاهية وتلون وجهها بالالوان الفجه وتكتشف أنها تعطى جسدها لبعض الوقت ثم يترك الرجل لها بعض المال ويخرج.

تري المرأة التي جلست وحولها الكثير من الأطفال ترش فوقهم حليب أمومتها وتقرأ معهم تعاويذ حبها وحمايتها وليس معها رجل

وأخيرا تجلس واحدة في البيت معها رجل يحيط علي أطفاله بيديه ... وتسأل كم مر من العصور حتي تتكون هذه الصورة؟ فدائما المرأة وحيدة وكل ما يهم في هذا المكان هو استمرار النوع وبقاؤه

علي باب معبد كبير راهب يذكرها بالجد تقابله يسدل عليها من حكمته وصوفيته..تسأل معه "هل بإمكاننا أن نسيطر علي الصدفة .. الحظ .. القدر .. أم مصائرنا ذائبة في المطلق ترسم لنفسها حدودا خارج ما نتوقع وما نريد؟" ويجيب "حينما ندرك ما هو سراب نقترب أكثر من الحِكمة" ويعلمها أن العالم رغم ما به من تفاهة هو أيضا ما نمتحن به لذلك علينا من البداية أن نهجر كل ما هو زائف فرحلة الإنسان الحقيقة هي ما يسكن في العمق.

يظهر أخيرا في طريقها هذا الجد الذي خرجت للبحث عنه وتدور معه علي أماكن هي كل العالم .. صديقاته القديمات وحبيباته كلهن نماذج من نساء العالم وصلن لمرحله من الرضا والسكون جعلتهن قادرات علي اصدار الحِكم والاحكام.

ثم تصادف شخصية كاترين التي تحاول الوصول الى سكينتها الداخلية من خلال الرجل.. وتعبر عن توقها الى احتضان الرجل حتى الاختراق ولكن تدينه يعترض رغباتها هو يستنكر الرضوخ للشهوات ويعاقبها لأنها مجسدة للشهوات.
هي تهرب من ذاتها إليه ..لتؤكد بشكل ملتو أن الرجل للفكرة والمرأة للرجل مثلما يقال عادة وحين ينتهى الأمر بلا سكينة من خلاله فهي سوف تبحث عن صخب أعلي من صخب نفسها تهرب إليه.

مرة أخري تقابل ذاتها في كاترين وتقول أنها اختلست أحد وجوهها.

تسير المسافات لتجد نفسها مره أخري في بيتها هذه المره هناك الأولاد.. متلفعة هى بعباءة سوداء ونقاب اسود علي وجهها.. وثلاث نساء هن شريكات في هذا الرجل .. وكلام عن مبررات التعدد في حياة الرجل وجانب أخر من علاقات الرجال بالنساء هي تستنكر بشدة وتجادل ولكن كل شئ مباح وهو حق مقدس اكتسبه من السماء طالما بالحلال و الشرع

"أنت كرجل ماذا لو كنت ضعيفاً في طبيعتك الانسانية، لماذا يلزمك دائما صورة وهمية للقوة تتستر خلفها ألأن صورة الرجل المتداولة يجب أن تكون قوية ... أنا كامرأة أعيش ضعفي بشكل اعتيادي إنما قوتي هي التي يجب أن أداريها حتي أرضيكم معشر الرجال وهذا عكس ما يحدث لكم"

الشيخ يقول أنها ممسوسة .. والطبيب يقول أنها تعاني من فصام

وهي تري أنها طبيعية هو من يريدها أن تنتمي لعالم ليست منه.

"هي الأنثي الطريدة من جهل، الواقعة بين معلومين ومجهولين، يطاردها الفناء حتي وإن كانت حواسها جميعا في ذروة الصحوة، وتطاردها اللعنة الأبدية لأنها تجاسرت وقضمت التفاحة المحرمة"

أخيرا هي تقف لتواجه الأهل.. الكثير يتعاطف معها ولكن .. لابد من نهاية فقد غادرت العشيرة إلي عالم مجهول ولا يغسل هذا العار إلا الدم ..وها هي في النهاية يظهر لها الجد مرة أخري ليمسح الدم عن جبهتها ويمضيا ليكملا الطريق.

معظم الرواية عبارة عن وصف للوحات طبيعية عن أماكن وأشخاص بلغة صعبة ..تتخللها علاقات وحوارات فلسفية قيمة عن دور المرأة في التعرف على نفسها جيدا قبل أن تفترض في الأخرين معرفتها.

هناك ٤ تعليقات:

غير معرف يقول...

كل سنة و انت طيبة

عالم سلامه يقول...

السلام عليكم اسمى محمد سلامه واسم الشهره رونى اعمل صحفى وكان حلم عمرى ان اكون صاحب جريدة خاصه بى وعندما شاهدت مدونت سيادتكم اريد منكم ان تتعاونوا معى فى ذلك ولكم جزيل الشكر وارجوا مراسلتى على الاميل الخاص بى
mrsalama10@hotmail.com
mrsalama10@yahoo.com
ولكم جزيل الشكر

Desert cat يقول...

ارى فى بطلة القصة الحب التمرد العنف واللين تبحث عن ذاتها وفى نفس الوقت تهرب منها .. تعشق الرجل وتحترم نفسها
مودتى واحترامى

speaking يقول...

Desert Cat

شهرزاد تجسد التمرد علي الأعراف التي قهرت المرأة لسنوات
ونموذج الرجل الوحيد الذي تمسكت بوجوده طوال حياتها هو الجد الذي يمثل الحكمة بالنسبة لها

هى كل من يهجر صخب المظاهر ليبحث عن جوهر الأشياء

سلام